ترسّخت على مدى سنوات طويلة عقيدة ترى أن مصر «أكبر من أن تفشل»، وحسبكا يذكر الكاتب أمين أيوب أنها كانت في الحقيقة شوّهت الاقتصاد المصري بعمق، وحوّلته إلى ممتصٍّ دائم للصدمات في الشرق الأوسط. كلما اندلعت نزاعات إقليمية، هرع الشركاء الدوليون لإنقاذ القاهرة بحزم ديون ضخمة تضمن استقراراً سياسياً داخلياً، لكنها في الوقت نفسه تضع البلاد على طريق الخراب المالي.

 

وأشارت التايمز أوف إسرائيل إلى أن الأحداث الأخيرة، مدفوعة بالحرب المستمرة في غزة والحرب الأهلية المدمرة في السودان، كشفت التكلفة الفعلية غير القابلة للاستمرار لهذا الترتيب. الاستقرار الاقتصادي لمصر يتآكل بصورة منهجية بسبب موقعها الجيوسياسي الذي يفرض عليها دور الحاجز الأمني للمنطقة.

 

التكاليف الخفية لانتقال الأزمات

 

الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر، بوصفها بوابة بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، يجعلها أول من يتلقى الصدمة الاقتصادية لأي اضطراب إقليمي. اندلاع النزاعات على حدودها ألحق ضرراً فورياً وقاسياً بمصادر العملة الأجنبية.

 

تعرضت إيرادات قناة السويس، وهي شريان رئيسي للعملة الصعبة، لاضطرابات نتيجة المخاطر البحرية، بينما تراجع قطاع السياحة الحيوي بسبب حالة عدم الاستقرار المستمرة. زادت الأمور سوءاً مع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين عبر الحدود الجنوبية، وتعطّل طرق التجارة الحيوية، ما ضغط على الموارد وأسهم في ارتفاع أسعار الغذاء.

 

النتيجة كانت انهياراً مالياً واضحاً. من المتوقع أن يقفز عجز الموازنة العامة إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2025، بعد أن كان 3.6% في العام السابق، أي تضاعف خلال عام واحد. هذا التدهور الحاد يمثل الثمن المباشر الذي تدفعه القاهرة مقابل الحفاظ على موقعها كحاجز أمني إقليمي. تسارع الاعتماد على الديون يعمّق الحاجة إلى تمويل خارجي، خاصة مع استحقاقات الديون المقبلة.

 

إنقاذات مالية بدلاً من إصلاحات جذرية

 

الاستجابة الدولية لهذه الأزمة المتكررة، بقيادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشركاء آخرين، اتخذت صورة حلقة مفرغة من حزم الإنقاذ الضخمة. يضمن هذا النهج الحفاظ على الاستقرار السياسي ومنع أزمة إنسانية قد تدفع نحو هجرة جماعية قد تصل إلى 116 مليون شخص باتجاه أوروبا.

 

لكن هذه الحزم، مثل اتفاق صندوق النقد الموسع بقيمة 8 مليارات دولار، تعالج أعراض الأزمة لا جذورها. التدفقات المالية الخارجية الضخمة تصرف انتباه الحكومة عن الإصلاحات الهيكلية العميقة المطلوبة لبناء نمو حقيقي يقوده القطاع الخاص.

 

الاعتماد المستمر على الديون الخارجية يدفع الحكومة إلى تفضيل سداد الفوائد وإدارة أزمات العملة السريعة على حساب معالجة اختلالات الحوكمة الجوهرية. يواجه المستثمرون عراقيل حادة تشمل بيروقراطية مفرطة، وغياب الشفافية، وصعوبات مزمنة في الحصول على العملة الأجنبية لتحويل الأرباح. هذا المناخ يضمن بقاء نشاط القطاع الخاص وإنتاجيته دون إمكاناته الحقيقية.

 

خيانة رأس المال البشري

 

تتجه الحكومة كذلك إلى التركيز على المشروعات العملاقة، التي يقود الكثير منها الجيش، بهدف إظهار صورة الاستقرار والتقدم الاقتصادي، بينما تظل الخدمات العامة الأساسية في حالة هشاشة خطيرة. رغم إطلاق مبادرات طموحة مثل الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2025-2030 الهادفة إلى تمكين المواطنين وتطوير قطاعات كالصحة والتعليم، فإن الالتزام الحقيقي بتنمية رأس المال البشري يتآكل.

 

تقوّض السلطات حق التعليم من خلال عدم تخصيص موارد كافية له. لا تتجاوز ميزانية التعليم 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الحالي، وهو رقم بعيد جداً عن النسبة الدستورية البالغة 6%. هذا النقص المزمن ينعكس في تدنّي جودة التعليم، واكتظاظ المدارس، ونقص المعلمين، ما يضمن استمرار الاختلالات العميقة في سوق العمل، حيث يقترب معدل بطالة الشباب من 26%.

 

رغم الإقبال المتزايد على برامج الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات، فإن غياب الأساس الداعم قد يحوّل هذه الكفاءات الجديدة عالية المهارة إلى مورد للتصدير الخارجي بدلاً من أن تكون قوة دافعة لتحول اقتصادي داخلي.

النقد الحاد الذي يجب توجيهه لصنّاع القرار الدوليين يتمثل في أنهم مولوا بشكل فعلي نظاماً قائماً على الاعتماد المؤسساتي. عبر إبقاء القاهرة معتمدة على الديون، يمنح الشركاء الخارجيون الأولوية لاستقرارهم قصير الأجل على حساب الصحة المالية طويلة الأمد لمصر. ثمن استقرار المنطقة يُدفع بصمت عبر إفلاس منهجي لإحدى أكثر دول الشرق الأوسط حيوية، ليظل الإصلاح الهيكلي هو الدين الحقيقي غير المسدّد.

 

https://blogs.timesofisrael.com/egypts-debt-trap-paying-the-price-for-regional-crises/